ذكر الشاطبي رحمه الله أمثلة لكلام الذين ضلوا في الشريعة بسبب عدم فهم القرآن، قال: "أحدها: قول جابر الجعفي في قوله تعالى: ((فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي))[يوسف:80] أن تأويل هذه الآية لم يجئ بعد، وكذب؛ فإنه أراد بذلك مذهب الرافضة ؛ فإنها تقول: إن علياً في السحاب، فلا يخرج مع من خرج من ولده، حتى ينادي علي من السماء: اخرجوا مع فلان؛ فهذا معنى قوله تعالى: (فلن أبرح الأرض حتى يأذن لي أبي) الآية عند جابر؛ حسبما فسره سفيان من قوله: لم يجئ بعد. قال سفيان : وكذب، بل هذه الآية كانت في إخوة يوسف".
قال: "ومن كان ذا عقل، فلا يرتاب في أن سياق القرآن دال على ما قاله سفيان، وأن ما قاله جابر لا ينساق".
ثم ذكر الإمام الشاطبي مثالاً آخر، فقال: "والثالث: قول من زعم أن المحرم من الخنزير إنما هو اللحم، وأما الشحم فحلال، لأن القرآن إنما حرم اللحم دون الشحم، قال: ولو عرف أن اللحم يطلق على الشحم أيضاً -بخلاف الشحم فإنه لا يطلق على اللحم- لم يقل ما قال".
يستدل هذا الجاهل بقول الله تعالى: ((قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ))[الأنعام:145]، فيقول: إن الله حرم لحم الخنزير في هذه الآية، فبأي دليل تحرمون الشحم؟! وهذا من جهله، والعجمة من أسباب ذلك؛ لأنه في لغة العرب أن اللحم يطلق على اللحم والشحم، فإذا قلت: أريد أن أشتري لحم بقر، كان معناه واضحاً، وهو أنك تريد أن تشتري لحم بقر لا لحم سمك ولا لحم غنم، وليس مقصودك أنك تريد لحماً بدون عظام ولا شحم.